فصل: هجرة الحبشة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.هجرة الحبشة:

ثم افترق أمر قريش وتعاهد بنو هاشم وبنو المطلب مع أبي طالب على القيام دون النبي صلى الله عليه وسلم ووثب كل قبيلة على من أسلم منهم يعذونهم ويفتنونهم واشتد عليهم العذاب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى أرض الحبشة فرارا بدينهم وكان قريش يتعاهدونها بالتجارة فيحمدونها فخرج عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن كتبة بن ربيعة مراغما لأبيه وامرأته سهلة بنت سهيل بن عامر بن لؤي والزبير بن العوام ومصعب بن عمير بن عبد شمس وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى العامري من بني عامر بن لؤي وسهيل بن بيضاء من بني الحرث بن فهر وعبد الله بن مسعود وعامر بن ربيعة العنزي حليف بن بني عدي وهو من عنز بن وائل ليس من عنزة وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة فهؤلاء الأحد عشر رجلا كانوا أول من هاجر إلى أرض الحبشة وتتابع المسلمون من بعد ذلك ولحق بهم جعفر بن أبي طالب وغيره من المسلمين وخرجت قريش في آثار الأولين إلى البحر فلم يدركوهم وقدموا إلى أرض الحبشة فكانوا بها وتتابع المسلمون في اللحاق بهم يقال إن المهاجرين إلى أرض الحبشة بلغوا ثلاثة وثمانين رجلا فلما رأت قريش النبي صلى الله عليه وسلم قد امتنع بعمه وعشيرته وأنهم لا يسلمونه طفقوا يرمونه عند الناس ممن يفد على مكة بالسحر والكهانة والجنون والشعر يرومون بذلك صدهم عن الدخول في دينه ثم انتدب جماعة منهم لمجاهرته صلى الله عليه وسلم بالعداوة والأذاية منهم: عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب أحد المستهزئين وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وعقبة بن أبي معيط أحد المستهزئين وأبو سفيان من المستهزئين والحكم بن أبي العاص بن أمية من المستهزئين أيضا والنضر بن الحرث من بني عبد الدار والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى من المستهزئين وابنه زمعة وأبو البختري العاص بن هشام والأسود بن عبد يغوث وأبو جهل بن هشام وأخوه العاص وعمهما الوليد وابن عمهما قيس بن الفاكة بن المغيرة وزهير بن أبي أمية بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي وابنا عمه نبيه ومنبه وأمية وأبي ابنا خلف بن جمح وأقاموا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتعرضون له بالاستهزاء والأذاية حتى لقد كان بعضهم ينال منه بيده وبلغ عمه حمزة يوما أن أبا جهل بن هشام تعرض له يوما بمثل ذلك وكان قوي الشكيمة فلم يلبث أن جاء إلى المسجد وأبو جهل في نادي قريش حتى وقف على رأسه وضربه وشجه وقال له: تشتم محمدا وأنا على دينه؟ وثار رجال بني مخزوم إليه فصدهم أبو جهل وقال دعوه فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا ومضى حمزة على إسلامه وعلمت قريش أن جانب المسلمين قد اعتز بحمزة فكفوا بعض الشر بمكانه فيهم ثم اجتمعوا وبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي ليسلم إليهم من هاجر إلى أرضه من المسلمين فنكر النجاشي رسالتهما وردهما مقبوحين.
ثم أسلم عمر بن الخطاب وكان سبب إسلامه أنه بلغه أن أخته فاطمة أسلمت مع زوجها سعيد ابن عمه زيد وأن خباب بن الأرت عندهما يعلمهما القرآن فجاء إليهما منكرا وضرب أخته فشجها فلما رأت الدم قالت: قد أسلمنا وتابعنا محمدا فافعل ما بدا لك وخرج إليه خباب من بعض زوايا البيت فذكره ووعظه وحضرته الإنابة فقال له: اقرأ علي من هذا القرآن فقرأ من سورة طه وأدركته الخشية فقال له: كيف تصنعون إذا أردتم الإسلام؟ فقالوا له وأروه الطهور ثم سأل على مكان النبي صلى الله عليه وسلم فدل عليه فطرقهم في مكانهم وخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا ابن الخطاب؟ فقال: يا رسول الله جئت مسلما ثم تشهد شهادة الحق ودعاهم إلى الصلاة عند الكعبة فخرجوا وصلوا هنالك واعتز المسلمون بإسلامه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين يعنيه أو أبا جهل».
ولما رأت قريش فشو الإسلام وظهوره أهمهم ذلك فاجتمعوا وتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم وكتبوا بذاك صحيفة وضعوها في الكعبة وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم فصاروا في شعب أبي طالب محصورين متجنبين حاشا أبي لهب فإنه كان مع قريش على قومهم فبقوا كذلك ثلاث سنين لا يصل إليهم شيء ممن أراد صلتهم إلا سرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل على شأنه من الدعاء إلى الله والوحي عليه متتابع إلى أن قام في نقض الصحيفة رجال من قريش كان أحسنهم في ذلك أثرا هشام بن عمرو بن الحرث من بني حسل بن عامر بن لؤي لقي زهير بن أبي أمية بن المغيرة وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فعيره بإسلامه أخواله إلى ما هم فيه فأجاب إلى نقض الصحيفة ثم مضى إلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وذكر رحم هاشم والمطلب ثم إلى أبي البختري بن هشام وزمعة بن الأسود فأجابوا كلهم وقاموا في نقض الصحيفة وقد بلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحيفة أكلت الأرضة كتابتها كلها حاشا أسماء الله فقاموا بأجمعهم فوجدوها كما قال فخزوا ونقض حكمها.
ثم أجمع أبو بكر الهجرة وخرج لذلك فلقيه ابن الدغنة فرده ثم اتصل بالمهاجرين في أرض الحبشة خبر كاذب بأن قريشا قد أسلموا فرجع إلى مكة قوم منهم عثمان بن عفان وزوجته وأبو حذيفة وامرأته وعبد الله بن عتبة بن غزوان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ومصعب بن عمير وأخوه والمقداد بن عمرو وعبد الله بن مسعود وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم المؤمنين وسلمة بن هشام بن المغيرة وعمار بن ياسر وبنو مظعون عبد الله وقدامة وعثمان وابنه السائب وخنيس بن حذافة وهشام بن العاص وعامر بن ربيعة وامرأته وعبد الله بن مخرمة من بني عامر بن لؤي وعبد الله بن سهل بن السكران بن عمرو وسعد بن خولة وأبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وعمرو بن أبي سرح فوجدوا المسلمين بمكة على ما كانوا عليه مع قريش من الصبر على اذاهم ودخلوا إلى مكة بعضهم مختفيا وبعضهم بالجوار فأقاموا إلى أن كانت الهجرة إلى المدينة بعد أن مات بعضهم بمكة.
ثم هلك أبو طالب وخديجة وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين فعظمت المصيبة وأقدم عليه سفهاء قريش بالأذاية والاستهزاء وإلقاء القاذورة في مصلاه فخرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام والنصرة والمعونة وجلس إلى عبد يا ليل بن عمر بن عمير وأخويه مسعود وحبيب وهم يومئذ سادات ثقيف وأشرافهم وكلمهم فأساءوا الرد ويئس منهم فأوصاهم بالكتمان فلم يقبلوا وأغروا به سفهائهم فاتبعوه حتى ألجأوه إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة فأوى إلى ظله حتى اطمأن ثم رفع طرفه إلى السماء يدعو: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين أنت ربي إلى من تكلني إلى بغيض يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه بأمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».
ولما انصرف من الطائف إلى مكة بات بنخلة وقام يصلي من جوف الليل فمر به نفر من الجن وسمعوا القرآن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في جوار المطعم بن عدي بعد أن عرض ذلك على غيره من رؤساء قريش فاعتذروا بما قبله منهم ثم قدم عليه الطفل بن عمرو الدوسي فأسلم ودعا قومه فأسلم بعضهم ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له علامة للهداية فجعل في وجهه نورا ثم دعا له فنقله دعا له فنقله إلى سوطه وكان يعرف بذي النور.
وقال ابن حزم: ثم كان الإسراء إلى بيت المقدس ثم إلى السموات ولقي من لقي من الأنبياء ورأى جنة المأوى وسدرة المنتهى في السماء السادسة وفرضت الصلاة في تلك الليلة وعند الطبري الإسراء وفرض الصلاة كان أول الوحي.
ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على وفود العرب في الموسم يأتيهم في منازلهم ليعرض عليهم السلام ويدعوهم إلى نصره ويتلو عليهم القرآن وقريش مع ذلك يتعرضونهم بالمقابح إن قبلوا منه وأكثرهم في ذلك أبو لهب وكان من الذين عرض عليهم في الموسم بنو عامر بن صعصعة من مضر وبنو شيبان وبنو حنيفة من ربيعة وكندة من قحطان وكلب من قضاعة وغيرهم من قبائل العرب فكان منهم من يحسن الاستماع والعذر ومنهم من يعرض ويصرح بالأذاية ومنهم من يشترط الملك الذي ليس هو من سبيله فيرد صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الله ولم يكن فيهم أقبح ردا من بني حنيفة وقد ذخر الله الخير في ذلك كله للأنصار فقدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف بن الأوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يبعد ولم يجب وانصرف إلى المدينة فقتل في بعض حروبهم وذلك قبل بعاث ثم قدم بمكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال إياس بن معاذ منهم وكان شابا حدثا: هذا والله خير مما جئنا له فانتهره أبو الحيسر فسكت ثم انصرفوا إلى بلادهم ولم يتم لهم الحلف ومات إياس فيقال: إنه مات مسلما.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعبلة بن غنم بن مالك ابن النجار وعوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان بن عمر وابن عامر بن زيد بن مالك بن غضبة بن جشم بن الخزرج وطبقة بن عامر بن حيدرة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد ابن مراد بن يزيد بن جشم وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة وجابر بن عبد الله بن رئاب بن نعمان بن سلمة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وكان من صنع الله لهم أن اليهود جيرانهم كانوا يقولون إن نبيا يبعث وقد أظل زمانه فقال بعضهم لبعض هذا والله النبي الذي تحدثكم به اليهود فلا يسبقونا إليه فآمنوا وأسلموا وقالوا إنا قد قدمنا فيهم حروبا فتنصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فعسى الله أن يجمع كلمتهم بك فلا يكون أحد أعز منك فانصرفوا إلى المدينة ودعوا إلى الإسلام حتى فشا فيهم ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام القابل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلا منهم خمسة من الستة الذي ذكرناهم ما عدا جابر بن عبد الله فإنه لم يحضرها وسبعة من غيرهم وهم: معاذ بن الحرث أخو عوف بن الحرث المذكور وقيل إنه ابن عفراء وذكوان بن عبد قيس بن خالدة وخالد بن مخلد بن عامر بن رزيق وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهد بن ثعلبة بن صرمة بن أصرم بن عمرو بن عبادة بن عصيبة من بني حبيب والعباس ابن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو ابن عوف هؤلاء عشرة من الخزرج ومن الأوس: أبو الهيثم مالك بن التيهان وهو من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن عمر ابن مالك بن أوس وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة فبايع هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض الحرب على الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يفتروا الكذب فلما حان انصرافهم بعث صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يدعوهم إلى الإسلام ويعلم من أسلم منهم القرآن والشرائع فنزل المدينة على أسعد بن زرارة وكان مصعب يؤمهم وأسلم على يديه خلق كثير من الأنصار وكان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابنا الخالة فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير إلى أسعد بن زرارة وكان جارا لبني عبد الأشهل فأنكروا عليه فهداهما الله إلى الإسلام وأسلم بإسلامهما جميع بني عبد الأشهل في يوم واحد الرجال والنساء ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها المسلمون رجال ونساء حاشا بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف بطون من الأوس وكانوا في عوالي المدينة فأسلم منهم قوم سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلت الشاعر فوقف بهم عن الإسلام حتى كان الخندق فأسلموا كلهم.